فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)} ثمّ كرّر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم، وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، فقال الله حاكيًا عنه: {وَقَالَ الذي ءامَنَ ياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ الاحزاب} أي: مثل يوم عذاب الأمم الماضية الذين تحزبوا على أنبيائهم.
وأفرد اليوم؛ لأن جمع الأحزاب قد أغنى عن جمعه، ثم فسر الأحزاب، فقال: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ} أي: مثل حالهم في العذاب، أو مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب، أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر، والتكذيب {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لّلْعِبَادِ} أي: لا يعذبهم بغير ذنب، ونفي الإرادة للظلم يستلزم نفي الظلم بفحوى الخطاب.
ثم زاد في الوعظ، والتذكير، فقال: {وياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد} قرأ الجمهور: {التناد} بتخفيف الدال، وحذف الياء.
والأصل التنادي، وهو: التفاعل من النداء، يقال: تنادى القوم، أي: نادى بعضهم بعضًا، وقرأ الحسن، وابن السميفع، ويعقوب، وابن كثير، ومجاهد بإثبات الياء على الأصل، وقرأ ابن عباس، والضحاك، وعكرمة بتشديد الدال.
قال بعض أهل اللغة: هو: لحن، لأنه من ندّ يندّ: إذا مرّ على وجهه هاربًا.
قال النحاس: وهذا غلط، والقراءة حسنة على معنى التنافي.
قال الضحاك: في معناه: أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندّوا هربًا، فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفًا من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: {يَوْمَ التناد} وعلى قراءة الجمهور المعنى: يوم ينادي بعضهم بعضًا، أو ينادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار، أو ينادى فيه بسعادة السعداء، وشقاوة الأشقياء، أو يوم ينادي فيه كلّ أناس بإمامهم، ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني، وقوله: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} بدل من يوم التناد، أي: منصرفين عن الموقف إلى النار، أو فارّين منها.
قال قتادة، ومقاتل: المعنى: إلى النار بعد الحساب، وجملة {مَا لَكُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} في محل نصب على الحال، أي: ما لكم من يعصمكم من عذاب الله، ويمنعكم منه {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يهديه إلى طريق الرشاد.
ثم زاد في وعظهم، وتذكيرهم، فقال: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} أي: يوسف بن يعقوب، والمعنى: أن يوسف بن يعقوب جاءهم بالمعجزات، والآيات الواضحات من قبل مجيء موسى إليهم، أي: جاء إلى آبائكم، فجعل المجيء إلى الآباء مجيئًا إلى الأبناء.
وقيل: المراد بيوسف هنا: يوسف بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب، وكان أقام فيهم نبيًا عشرين سنة.
وحكى النقاش، عن الضحاك: أن الله بعث إليهم رسولًا من الجنّ يقال له: يوسف، والأوّل أولى.
وقد قيل: إن فرعون موسى أدرك أيام يوسف بن يعقوب لطول عمره {فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مّمَّا جَاءكُمْ بِهِ} من البينات، ولم تؤمنوا به {حتى إِذَا هَلَكَ} يوسف {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} فكفروا به في حياته، وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} أي: مثل ذلك الضلال الواضح يضلّ الله من هو مسرف في معاصي الله مستكثر منها مرتاب في دين الله شاكّ في وحدانيته، ووعده، ووعيده.
والموصول في قوله: {الذين يجادلون في ءايات الله} بدل من من، والجمع باعتبار معناها، أو بيان لها، أو صفة، أو في محل نصب بإضمار أعني، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، أو مبتدأ، وخبره يطبع، و{بِغَيْرِ سلطان} متعلق بيجادلون، أي: يجادلون في آيات الله بغير حجة واضحة، و{ءاتاهم} صفة لسلطان {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله وَعِندَ الذين ءامَنُواْ} يحتمل أن يراد به التعجب، وأن يراد به الذمّ كبئس، وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون.
وقيل: فاعله ضمير يعود إلى من في {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} والأوّل أولى.
وقوله: {عَندَ الله} متعلق بكبر، وكذلك {عِندَ الذين آمَنُواْ} قيل: هذا من كلام الرجل المؤمن.
وقيل: ابتداء كلام من الله سبحانه {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ} أي: كما طبع على قلوب هؤلاء المجادلين، فكذلك يطبع أي: يختم على كلّ قلب متكبر جبار.
قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر، واختار هذه القراءة أبو حاتم، وأبو عبيد، وفي الكلام حذف، وتقديره: كذلك يطبع الله على كلّ قلب كل متكبر، فحذف كلّ الثانية لدلالة الأولى عليها، والمعنى: أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين، وقرأ أبو عمرو، وابن محيصن، وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له، فيكون القلب مرادًا به الجملة، لأن القلب هو: محل التكبر، وسائر الأعضاء تبع له في ذلك، وقرأ ابن مسعود على قلب كلّ متكبر.
ثم لما سمع فرعون هذا رجع إلى تكبره، وتجبره معرضًا عن الموعظة نافرًا من قبولها، وقال: {ياهامان ابن لِى صَرْحًا} أي: قصرًا مشيدًا كما تقدّم بيان تفسيره {لَّعَلّى أَبْلُغُ الأسباب} أي: الطرق.
قال قتادة، والزهري، والسدّي، والأخفش: هي: الأبواب.
وقوله: {أسباب السموات} بيان للأسباب، لأن الشيء إذا أبهم، ثم فسر كان أوقع في النفوس، وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** ولو رام أسباب السماء بسلم

وقيل: أسباب السماوات: الأمور التي يستمسك بها {فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى} قرأ الجمهور بالرفع عطفًا على أبلغ، فهو على هذا داخل في حيز الترجي.
وقرأ الأعرج، والسلمي، وعيسى بن عمر، وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله: {ابن لِى} أو على جواب الترجي كما قال أبو عبيد، وغيره.
قال النحاس: ومعنى النصب خلاف معنى الرفع، لأن معنى النصب: متى بلغت الأسباب اطلعت، ومعنى الرفع: لعلي أبلغ الأسباب، ولعلي أطلع بعد ذلك، وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدًّا {وَإِنّى لأَظُنُّهُ كاذبا} أي: وإني لأظنّ موسى كاذبًا في ادعائه بأن له إلاهًا، أو فيما يدّعيه من الرسالة {وكذلك زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ} أي: ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك، والتكذيب فتمادى في الغيّ، واستمرّ على الطغيان {وَصُدَّ عَنِ السبيل} أي: سبيل الرشاد.
قرأ الجمهور: {وصد} بفتح الصاد، والدال، أي: صدّ فرعون الناس عن السبيل، وقرأ الكوفيون: {وصد} بضم الصاد مبنيًّا للمفعول، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم، ولعلّ وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في زين من البناء للمفعول، وقرأ يحيى بن وثاب، وعلقمة: {صد} بكسر الصاد، وقرأ ابن أبي إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد، وضمّ الدال منوّنًا على أنه مصدر معطوف على سوء عمله أي: زين له الشيطان سوء العمل، والصدّ {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ في تَبَابٍ} التباب: الخسار، والهلاك، ومنه {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ} [المسد: 1]، ثم إن ذلك الرجل المؤمن أعاد التذكير، والتحذير كما حكى الله عنه بقوله: {وَقَالَ الذي ءامَنَ ياقوم اتبعون أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} أي: اقتدوا بي في الدين أهدكم طريق الرشاد، وهو: الجنة.
وقيل: هذا من قول موسى، والأوّل أولى.
وقرأ معاذ بن جبل: {الرشاد} بتشديد الشين كما تقدّم قريبًا في قول فرعون، ووقع في المصحف {اتبعون} بدون ياء، وكذلك قرأ أبو عمرو، ونافع بحذفها في الوقف، وإثباتها في الوصل، وقرأ يعقوب، وابن كثير بإثباتها وصلا، ووقفا، وقرأ الباقون بحذفها وصلا، ووقفا، فمن أثبتها فعلى ما هو الأصل، ومن حذفها، فلكونها حذفت في المصحف {ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ} يتمتع بها أيامًا، ثم تنقطع، وتزول {وَإِنَّ الأخرة هي دَارُ القرار} أي: الاستقرار لكونها دائمة لا تنقطع، ومستمرّة لا تزول {مَنْ عَمِلَ سَيّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} أي: من عمل في دار الدنيا معصية من المعاصي كائنة ما كانت، فلا يجزى إلا مثلها، ولا يعذب إلا بقدرها، والظاهر شمول الآية لكل ما يطلق عليه اسم السيئة.
وقيل: هي خاصة بالشرك، ولا وجه لذلك {وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي: من عمل عملًا صالحًا مع كونه مؤمنًا بالله، وبما جاءت به رسله {فَأُوْلَئِكَ} الذين جمعوا بين العمل الصالح، والإيمان {يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير تقدير، ومحاسبة.
قال مقاتل: يقول: لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير.
وقيل: العمل الصالح، هو: لا إله إلا الله.
قرأ الجمهور: {يدخلون} بفتح التحتية مبنيًّا للفاعل.
وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، وأبو عمرو، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم بضمها مبنيًّا للمفعول.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس {مِثْلَ دَأْبِ} قال: مثل حال.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} قال: هم الأحزاب: قوم نوح، وعاد، وثمود.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} قال: رؤيا يوسف، وفي قوله: {الذين يجادلون في ءايات الله} قال: يهود.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ في تَبَابٍ} قال: خسران.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا} قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحياة الدنيا متاع، وليس من متاعها شيء أفضل من المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها، ومالها». اهـ.

.قال القاسمي:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} يعني حصونهم وقصورهم وعددهم: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ} أي: بآيات نبوته: {مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ} أي: قالوا أعيدوا عليهم القتل، كالذي كان أولًا، واستبقوا نسائهم للخدمة: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي: وما مكرهم في دفع ما أراد الله من ظهور دينه، إلا في ضياع؛ إذ هو كالغثاء الذي يقذفه تيار الحق.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أي: ما أنتم عليه من عبادة الأصنام: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} أي: فساد مملكتي؛ إذ يتفق الكل على متابعته، وإجراء أحكامه.
{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي: التجأت إليه وتوكلت عليه، فهو ناصر دينه، ومعزّ أهله.
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} أي: من فرعون وملئه: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} أي: من عذاب الدنيا إن تعرضتم له. وقد أشار الزمخشري إلى ما في طي هذا القول من اللطائف والأسرار، بما ملخصه: إن هذا المؤمن استدرجهم في الإيمان باستشهاده على صدق موسى، بإحضاره عليه السلام من عند مَن تنسب إليه الربوبية، بينات عدة لا بينة واحدة، وأتى بها معرفة، معناه البينات العظيمة التي شهدتموها وعرفتموها على ذلك، ليلين بذلك جماحهم، ويكسر من سورتهم.
ثم أخذهم بالاحتجاج بطريق التقسيم، فقال: لا يخلو من أن يكون صادقًا أو كاذبًا. فإن يك كاذبًا فضرر كذبه عائد عليه. أو صادقًا فيصبكم، إن تعرضتم له، بعضُ الذي يعدكم. وإنما ذكر بعض، في تقدير أنه نبي صادق، والنبي صادق في جميع ما يَعِدُ به، لأنه سلك معهم طريق المناصحة لهم والمداراة، فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم، وأدخل في تصديقهم له، ليسمعوا منه ولا يردوا عليه صحته، وذلك أنه حين فرضه صادقًا، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يَعِدُ. ولكنه أردفه: {يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، ليريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه، وأثنى عليه، فضلًا عن أن يكون متعصبًا له، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل.